السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبدأ بطرح مشكلتي وكلي أمل أن أجد حلًّا.. فأنا أعاني معاناة- الله أعلم بحالي معها- تعبت تعبًا لا يمكنني وصفه..
مشكلتي بدأت منذ فتره- تقريبا 10 شهور- وهي في كل شهر تزيد، عند ذهابي للوضوء أشعر بأنني لم أنوِ وأمكث فترة أبدأ بالوضوء ثم يبدأ التكرار في غسل كل عضو وأشك بأنني لم أتم غسل العضو، وبعد الانتهاء من الوضوء تبدأ معاناتي مع النية في الصلاة أبدأ بالتكبير وعند قراءة سورة الفاتحة يبدأ الشك بأني أخطئ بالقراءة.. تعبت تعبًا وضاقت بي نفسي، والشك بخروج ريح منِّي عند الوضوء أو عند البدء بالصلاة وعند قضاء الحاجة أمكث فترة وأنا أغتسل وأشك بخروج شيء منِّي وأعود لأغتسل من جديد، سئمت من حياتي لا أستطيع البوح لأحد بما أنا فيه.. أرشدوني ماذا أفعل فرَّج الله عنكم الهموم والغموم.
الجواب:
لا شك أن الأسئلة عن الوسوسة كثيرة ومشاكلها وآلامها لا تنتهي، وكنا مسبقا قد أجبنا على سؤال قريب نختار منه أهم مواضعه ونزيد عليها بما يناسب سؤالك أيها الكريم.
لا يألو الشيطان جهدا في بلوغ هدفه وهو إضلال الناس وإغفالهم وإلهاؤهم عن طاعة ربهم وإرضاء معبودهم سبحانه، فيزين لهم المحرم، ويثقل عليهم الطاعات، ويسبح بهم في بحار الغفلة..
ومن أشد وسائله وطأة على العباد، أن يسعى لتشتيت ذهنهم وإلهاء عقولهم بالوسواس، الذي هو التردد في النظر للأمور وفي فعلها، فترى الذي أصيب بالوسوسة مترددا في كل فعل هو بصدده (هل يؤديه أو لا)، ولو أداه (هل أداه على وجه صحيح أو خطأ)!!، وقد يصل تردده لقناعاته الثابتة عنده وقد تصل لعقيدته التي يعتقدها، حتى يحيل حياته كلها لنوع من التردد وضياع القناعات وذهاب الشخصية المؤمنة فلا يتركه الوسواس إلا وقد ضعف أثره وغفل عن صلاح أمره كله قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة» رواه مسلم.
ومن الوسوسة أنواع يكون مدخلها نفسي شخصي ابتداء، ويستغلها الشيطان فيزيدها ويعظمها ليسلب المرء قدرته على الفعل الإيجابي، كما قال سبحان: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه} وقال سبحانه: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}.
وقد منع الله سبحانه الشيطان أن يكون له سلطان على المؤمنين الصالحين فقال سبحانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] ووصف كيده بالضعف على أية حال فقال سبحانه: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
وقد أكثر الناس في ذكر علاجات للوسوسة بعضها قاصر عن الرؤية المتكاملة إذ ينسى المعالج كون الشخص عضوا في مجتمع أو ينسى كونه غير مستعد في بعض الأحيان للإكثار من العبادة أو غيره، ويجب أن يتصف علاج الوسوسة بالتوازن المناسب لمريض الوسوسة ومعرفة إمكاناته وقدراته حتى لا تكون نصائحنا مجرد مواعظ وفقط.
وأعرض عليك هاهنا أيها الأخ السائل عدة طرائق متتابعة لعلاج الوسوسة لعلك أن تجد بها خيرا مع التوكل على الله سبحانه ودعائه ورجائه فهو خير مأمول:
1- بداية يجب أن يكون عندك عزم أكيد في اتجاه العلاج من هذا الذي تجده من الوسوسة ورغبة واضحة في التخلص منها وهذا العزم وتلك الرغبة هما الخطوة الأولى في سبيل علاج المشكلة.
2- علم الله سبحانه أن الشيطان عدو غير مرئي فيسر لنا أسلحة تناسبه، وأهمها الذكر الصالح من قلب مخلص، فأكثر من ذكر ربك سبحانه قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ للشيطان لـمَّة بابن آدم، وللمَلَك لـمَّة، فأما لـمَّة الشيطان، فإيعاذ بالشر وتكذيب بالحق، وأما لـمَّة الملك، فإيعاذ بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم». كذلك أن يقول: (آمنت بالله) كما في الحديث الثابت: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق. فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله» رواه مسلم.
3- عود نفسك أن تُكرهها على ما تريد، فمخالفة النفس أقوى سبيل للقضاء على مرض الوسوسة، ولئن ترددت نفسك في شيء ما، فلا تلتفت إليها حتى لو قالت لك نفسك إن عملك سيء أو غير مقبول، واصبر على ذلك أياما قليلات وستجد الخير كله، فالشيطان يشككك في أمرك كله ويجعل الشك عندك ترددا ويطور الأمر معك حتى تحسب الشك يقينا ثم تحسب الوهم ظنا فيزيد ترددك فاحذر من ذلك وفي الأثر: «إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث. ولم يحدث، فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه» رواه الهيثمي في المجمع، وقال: رجاله رجال الصحيح.
4- علم نفسك ألا تتحدث بما قد تجد من وسوسة في شئون ما تعتقده، فإن التحدث به فتح لباب الشيطان وتيسير له على السيطرة عليك بالوسوسة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: «إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان» رواه مسلم. وقد بين العلماء معنى ذلك أن الوسوسة في شئون الاعتقاد قد تحصل لبعض الناس ولكنهم لا يتحدثون بها ويدفعونها عن قلوبهم وعقولهم دفعا كمثل الذي يدفع عنه عدوه الذي يريد الإضرار به، فكرههم لها وعدم تحدثهم بها وخوفهم الله في ذلك ودفعها عن قلوبهم دليل على الإيمان وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تجاوز لأمتي عما وسوست- أو حدثت- به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» البخاري.
5- أنصحك بمتابعة ذلك مع داعية عالم مقرب إليك يتابع شأنك وينصحك بما فيه خير..
6- استشر طبيبا مسلما صالحا متخصصا واحك له ما تعاني منه.
وأسأل الله أن يخفف عنك همك ويزيل كربك وألمك.
الكاتب: خالد رُوشه.
المصدر: موقع المسلم.